القراءة.. علم مستقل

القضية تكمن في مصطلح أساسي هو "الربط" hooking وهو هدف استراتيجي في تعليم القراءة.. ولكي يتحقق لا بد أن يتم في سن مبكرة باستفزاز الأطفال بأسئلة تثير فيهم الفضول



<P id=ctl00_cphArticleDetail_pDescription>
القراءة علم مستقل بذاته له نظرياته ودراساته وأبحاثه لكنه لا يعامل على هذا الأساس في معظم المؤسسات التعليمية.. ومناسبة الكتابة عن القراءة هي ما كتبه في هذه الصحيفة قبل أيام الطبيب خالص الجلبي حول تعليم القراءة السريعة.. والقراءة علم أحبه ولا أسأم من الحديث عنه. وقد كتبت فيه كثيراً، أبحاثاً علمية محكمة ومنشورة ومقالات توثيقية في مجلة الفيصل وعدداً كبيراً من المقالات في مختلف صحفنا عرضت فيها حقائق كثيرة. ولم يحظ إلى الآن بما يستحقة من العناية والاهتمام في منازلنا ومدارسنا. ولعل ما حملني على البحث فيه منذ أيام الدراسة ثم الاهتمام به بعدها هو قصة وقعت أحداثها أثناء دراستي الجامعية في الولايات المتحدة الأمريكية حين زارنا الجيران وكان من بينهم ابنهم ذو الخمسة أعوام يحمل كتاباً معه ربما بسبب عدم وجود أقران له في منزلنا فخشي وأهله معه أن يصاب بالملل أثناء الزيارة.. وعندما رآني الأب أنظر إلى الكتاب في يد ابنه قال لي: "إنه قارئ جيد". طفل في الخامسة من عمره في المرحلة التمهيدية يحمل كتاباً وقارئ جيد. كيف تم هذا؟ ولماذا لا يتم في مجتمعنا؟ وكيف يمكن أن يتحقق؟ أسئلة دارت في ذهني دفعتني للتعمق والدراسة والبحث والنشر في هذا العلم: علم القراءة. والقضية تكمن في مصطلح أساسي هو "الربط"hooking وهو هدف استراتيجي في تعليم القراءة.. ولكي يتحقق لا بد أن يتم في سن مبكرة باستفزاز الأطفال بأسئلة تثير فيهم الفضول. بداية يتم توجيهها لهم ثم القراءة لهم.. وعندما يبدؤون رحلة المدرسة ابتداءً من الروضة تستمر عملية توجيه الأسئلة لهم وإرجاعهم إلى مصادر تكون في متناول اليد أو تحضر لهم كتب يقرؤونها للإجابة عن أسئلة والديهم. وتستمر العملية حتى يتم ربط الطفل بالقراءة ويتعلق بها.. وفي كل الأحوال تبدأ العملية من البيت الذي يعطي العملية الاهتمام الذي تستحقه: من توجيه الأسئلة وإحضار كتب القراءة وقبل ذلك كله تخصيص الوقت الكافي لهذه العملية، التي عادة ما يتقاسمها الوالدان.. وإذا تمت عملية الربط هذه تبدأ مرحلة أكثر تقدماً ودقة.. وهي تحقيق الهدف الأخير من القراءة وهو تزويد الأطفال بالقدرة على "التفكير".. ويعتقد الكثيرون أن الهدف من القراءة هو استعادة المعلومات من النص الذي يقرؤونه.. صحيح أن هذا هدف.. المعنى والمعلومات أمر مهم لكنه لا يشكل إلا جزءا يسيراً من أهداف القراءة.. ودعوني أضرب لكم مثالاً على ذلك.. عندما يقرأ الطفل قصة محورها أن أرنباً بنت لها جحراً في الصحراء.. وبعد فترة من الزمن وضعت خمسة أرانب صغار.. وعندما كبروا بدأت الأم في اصطحابهم مساءً للبحث عن الطعام معتمدين على أنفسهم.
وهذا نموذج من الأسئلة الخطأ التي توجه للأطفال:
1- لماذا تخرج الأم مع صغارها؟
2- متى تخرج؟
هذه الأسئلة خطأ لأنها مباشرة ولا تتطلب تفكيراً وهي فقط تقيس قوة الذاكرة، وهذا ليس هدف القراءة الأساس.. ولهذا فالأسئلة المناسبة التي يجب أن توجه للأطفال هي مثل هذا السؤال:
- لماذا تخرج الأم مع صغارها ليلاً للبحث عن الغذاء؟
إذاً الأسئلة الصحيحة التي تدفع الأطفال للتفكير تبدأ بـ "لماذا؟" ومثل هذا السؤال لا يوجد له إجابة صحيحة واحدة فقط.. بل مقياس للإجابة وضعته الدكتورة روزنبلات في كتابها القيّم "القارئ والنص والمعنى" ومقياسها هو: أن كل إجابة حول أي نص هي إجابة صحيحة بشرطين:
الأول: أن تنطلق الإجابة من النص.
الثاني: ألا يكون هناك أي تعارض بشكل مباشر أو غير مباشر بين الإجابة وما هو موجود في النص.. وبعد ذلك كل إجابة تعتبر صحيحة.. حتى إذا كان هناك في الفصل عشرون طالباً وخرجوا بعشرين إجابة مختلفة وفق شرطي روزنبلات السابقين فإن إجاباتهم كلها صحيحة.. ودعونا نطبق شرطي روزنبلات على موضوع الأرانب.. فقد كانت إجابات الطلاب على سؤال لماذا تخرج الأرانب ليلاً للبحث عن الطعام؟ كالآتي:
- طالب قال: "لأنها لا تريد أن يراها أحد فيصطادها". وآخر: "لأن الأكل في الليل بارد". وثالث فكر وقال: "لأن الشمس حارة ولا تستطيع البحث عن الطعام في جو حار". لاحظوا كل تلك الإجابات من نتاج الطلاب حركوا عقولهم وفكروا وخرجوا بنتاج جديد.. وهذا هو الهدف: تعويد الطلاب على التفكير وإكسابهم مهاراته وهذا هو الطريق الوحيد نحو دفع الطلاب إلى الإبداع والإنتاج والابتكار بتمارين يمارسون خلالها عملية التفكير.. وللقراءة استراتيجيات لا بد من تعليمها.. ومنها سرعة البحث عن معلومة وتسمى scanning وأخرى لمعرفة محتوى المادة المقروءة كتاباً أو مقالاً أو بحثاً أو غير ذلك. وهاتان المهارتان يتم تعليمهما بخطوات محددة وتعطى الوقت الكافي الذي تستحقه. ووفقاً لنظرية المهارات "لا بد أن يعيش المتعلم التجربة لوقت كافٍ حتى يصل لمرحلة التلقائية في إجادتها". تماماً مثل تعلم قيادة السيارة، ارتباك لفترة محددة وعن طريق التعرض للتجربة فترة محددة يتم الوصول لمرحلة التلقائية في ممارسة القيادة.. هكذا لا بد أن نتعامل مع تلك المهارات، ولا يكفي الانكشاف عليها أو التعريف بها أو حفظ خطوات أدائها.. لا بد أن يعيش المتعلم التجربة لوقت كافٍ حتى يتمكن من إجادتها. والوقت الكافي يختلف من متعلم لآخر حسب قدرات كل متعلم.. وهاتان المهارتان هي صلب ما تحدث عنه الطبيب خالص لكنه لم يذكرهما صراحة وإنما أشار إليهما بـ "القراءة السريعة". والقراءة السريعة تسمى في علم القراءة vertical reading بحيث تتم القراءة top-down أي من الأعلى نزولاً مع التركيز على الكلمات الأساسية key words التي تحمل المعنى سواء في حالة البحث عن معلومة أو في حالة معرفة المعنى العام. وهذا النوع من القراءة يتطلب تدريباً بطريقة خاصة يتم فيها استخدام ما يسمى "eye-fixations " في القراءة حيث يتم تركيز العين لثلاث أو اربع مرات من الأعلى نزولاً على المادة المقروءة بحيث تكون الـ "eye-fixations" على الكلمات الأساسية التي تم التدرب على اصطيادها للخروج بالمعنى العام في فترة وجيزة..وثبت علمياً أن مادة مكتوبة من 500 كلمة نحتاج لفهمها التركيز على 50-70 كلمة فقط. ويمكن أيضاً استخدام هاتين المهارتين في معارض الكتاب لمسح أكبر عدد ممكن من الكتب في أقل وقت ممكن واتخاذ قرار الشراء من عدمه. هذه لمحة مختصرة وموجزة حول مقال الطبيب خالص جلبي آمل أن تكون ممتعة ومفيدة.


علي الخبتي