تمر علينا لحظات صعبة و أيام أصعب، تمر حيناً بسلام و حيناً تترك جروحاً غائرة يصعب إزالتها. احياناً تكون جروحاً فينا و احياناً اخرى جروحاً في أشخاص غيرنا، نصاب بها بدورنا عندما لا نستطيع نسيانها و لا نستطيع فعل شيء حيالها ايضاً.
أحياناً تجعلنا هذه اللحظات نشعر بألم غير موجود، نتخيله لنفسر لأنفسنا الوضع القائم و الذي يستلزم فيه أقصى درجات المسؤولية و الالتزام و تحمل أخطاء الأخرين ممن يعلونا درجة و يفوقوننا خبرة، ممن يودوون تغطية أخطائهم بأخطائنا، و اخفاقاتهم باخفاقاتنا لمن هم اعلى منهم مرتبة و مكانة. يحدث أن يتناقض حينها فينا شعور مزدوج: شعور الغبن و الظلم و عدم التقدير من هؤلاء الذين يفترض أن يساعدونا في أداء مهامنا و الإشراف على اعمالنا و التأكد من خلو الأخطاء فيها، و لكننا نراهم يلقون بكامل المسؤولية عليك و يقومون بالتنصل من المسؤولية وقت التنفيذ و عدم تقديم تدريب مسبق عند أدائك لمهماتك، و شعور آخر يتمثل بالذنب عند عدم وصولك إلى مستوى طموح الطرف الآخر ممن اوكل اليك هذه المهمة و اسندها اليك و يكيل اليك فيما بعد بسيل من الانتقادات و الملاحظات عدم التركيز و عدم الاستماع إلى الكلام الموجه اليك و أحياناً “الغباء” بشكل عام.
الشعوران متساويان و متناقضان بشكل رهيب. تحس احياناً أن الطرف الآخر يعلم تمام العلم بما تمر فيه و الاحساس الذي تشعر به، و لكنه يفضل الاستمرار بطريقته هذه لأسباب لا يعلمها إلا الله و صاحب هذه المعاملة. ترى هذا في عينيه و تسمع هذا من شفتيه.
في نهاية المطاف، تتشبث بالصبر على أمل تغير الواقع في يوم من الأيام. على أمل أن يثمر صبرك هذا شيئاً أفضل و مكانة ارفع ليس مهنياً فقط بل و في قلوب من حولك، تكسب ودهم و احترامهم و تبقى في ذكراهم حتى إذا التقيت بهم بعد سنين طوال ينظرون اليك باحترام و تقدير صادق.
القصة التالية تعبر عن معنى الأمل في أحلك الظروف و اكثرها ظلمة بعنوان: “زهرة الشرف”
حوالي العام 250 قبل الميلاد , في الصين القديمة ,
كان أمير منطقة تينغ زدا على وشك أن يتوّج ملكًا , ولكن كان عليه أن يتزوج أولاً , بحسب القانون.
وبما أن الأمر يتعلق باختيار إمبراطورة مقبلة ,
كان على الأمير أن يجد فتاةً يستطيع أن يمنحها ثقته العمياء.
وتبعًا لنصيحة أحد الحكماء قرّر أن يدعو بنات المنطقة جميعًا لكي يجد الأجدر بينهن.
عندما سمعت امرأة عجوز , وهي خادمة في القصر لعدة سنوات , بهذه الاستعدادات للجلسة
, شعرت بحزن جامح لأن ابنتها تكنّ حبًا دفينًا للأمير.
وعندما عادت إلى بيتها حكت الأمر لابنتها , تفاجئت بأن ابنتها تنوي أن تتقدّم للمسابقة هي أيضًا.
لف اليأس المرأة وقالت :
(( وماذا ستفعلين هناك يا ابنتي ؟ وحدهنّ سيتقدّمن أجمل الفتيات وأغناهنّ. اطردي هذه الفكرة السخيفة من رأسك! أعرف تمامًا أنكِ تتألمين , ولكن لا تحوّلي الألم إلى جنون! ))
أجابتها الفتاة :
(( يا أمي العزيزة , أنا لا أتألم , وما أزال أقلّ جنونًا ؛ أنا أعرف تمامًا أني لن أُختار, ولكنها فرصتي في أن أجد نفسي لبضع لحظات إلى جانب الأمير , فهذا يسعدني – حتى لو أني أعرف أن هذا ليس قدري-))
في المساء , عندما وصلت الفتاة , كانت أجمل الفتيات قد وصلن إلى القصر , وهن يرتدين أجمل الملابس وأروع الحليّ , وهن مستعدات للتنافس بشتّى الوسائل من أجل الفرصة التي سنحت لهن.
محاطًا بحاشيته , أعلن الأمير بدء المنافسة وقال
: (( سوف أعطي كل واحدة منكن بذرةً , ومن تأتيني بعد ستة أشهر حاملةً أجمل زهرة , ستكون إمبراطورة الصين المقبلة )).
حملت الفتاة بذرتها وزرعتها في أصيص من الفخار ,
وبما أنها لم تكن ماهرة جدًا في فن الزراعة , اعتنت بالتربة بكثير من الأناة والنعومة –
لأنها كانت تعتقد أن الأزهار إذا كبرت بقدر حبها للأمير , فلا يجب أن تقلق من النتيجة.
مرّت ثلاثة أشهر , ولم ينمُ شيء. جرّبت الفتاة شتّى الوسائل ,
وسألت المزارعين والفلاحين فعلّموها طرقًا مختلفة جدًا , ولكن لم تحصل على أية نتيجة.
يومًا بعد يوم أخذ حلمها يتلاشى ، رغم أن حبّها ظل متأججًا.
مضت الأشهر الستة , ولم يظهر شيءٌ في أصيصها.
ورغم أنها كانت تعلم أنها لا تملك شيئًا تقدّمه للأمير , فقد كانت واعيةً تمامًا لجهودها المبذولة ولإخلاصها طوال هذه المدّة ,
وأعلنت لأمها أنها ستتقدم إلى البلاط في الموعد والساعة المحدَّدين.
كانت تعلم في قرارة نفسها أن هذه فرصتها الأخيرة لرؤية حبيبها ,
وهي لا تنوي أن تفوتها من أجل أي شيء في العالم.
حلّ يوم الجلسة الجديدة , وتقدّمت الفتاة مع أصيصها الخالي من أي نبتة ,
ورأ ت أن الأخريات جميعًا حصلن على نتائج جيدة؛ وكانت أزهار كل واحدة منهن أجمل من الأخرى ,
وهي من جميع الأشكال والألوان.
أخيرًا أتت اللحظة المنتظرة. دخل الأمير ونظر إلى كلٍ من المتنافسات بكثير من الاهتمام والانتباه.
وبعد أن مرّ أمام الجميع, أعلن قراره ,
وأشار إلى ابنة خادمته على أنها الإمبراطورة الجديدة.
احتجّت الفتيات جميعًا قائلات إنه اختار تلك التي لم تزرع شيئًا.
عند ذلك فسّر الأمير سبب هذا التحدي قائلاً :
(( هي وحدها التي زرعت الزهرة تلك التي تجعلها جديرة بأن تصبح إمبراطورة ؛ زهرة الشرف. فكل البذور التي أعطيتكنّ إياها كانت عقيمة , ولا يمكنها أن تنمو بأية طريقة )).