امتلاك المعلومة حول هذا الأمر أو ذاك إما أن يكون عامل قوة ترتقي بالإنسان وتزيد من ازدهاره وتميزه أو نقطة ضعف تحد من تطوره ونمائه . على سبيل المثال يمتلك البعض معلومات دينية حتى لتعد أحدهم وفقاً لما تسمع منه في عداد العلماء والمشايخ وربما تجده يتفانى في إيصال ما يملكه من خير إلى الآخرين ويحضهم على أدائه وينصحهم بتطبيقه، ثم لما تسبر أحواله وتتقصى آثار سلوكاته تجده كثير التقصير في جوانب العمل والتطبيق ، لدرجة تخشى معها أحياناً أن يضره علمه أكثر مما ينفعه .
بالمثل فإن هناك شخص آخر يمتلك معلومات تغبطه كثيراً عند سماعها حول أهمية العناية بالصحة سواء تنظيم الأكل والالتزام بالحمية وممارسة الرياضة ... الخ ثم عندما تتجرأ على سؤاله عن أسباب بقائه هكذا " متختخاً " هو الملك لكل هذا الكم الهائل من المعلومات يُسقط في يديه وتجده لا يحير جواباً .
إنه لمؤلم للنفس الأبية أشد الإيلام أن ينصح بالإقلاع عن المسكرات أو المخدرات أو التدخين أو غير ذلك من هذه الآفات الدخيلة من يتعاطاها . وهو مؤلم أن تجد من يحدثك عن أهمية الالتزام بالوقت وهو مضيع له ، أو عن المسئولية وهو لا يفي بأبسط التزاماته، من يحدثك عن أهمية الترشيد وهو جد مبذر ومسرف ، وعن الأمانة وهو قليلها، وعن علو الهمة وهو خائرها، وعن اليقظة وهو غافل، وعن الجد وهو هازل، وعن الاستقامة وهو منحرف ، من يحدثك عن أهمية التعلم وهو لا يبذل مجهوداً لتحصيله،... الخ .
إنني بهذا لا أدعو من يعرف كلمة الحق إلى أن يمتنع عن التفوه بها في المواطن المناسبة وبثها لمن يمكنه الاستفادة من مضمونها نظراً لأنه لا يطبقها، لا هذا ليس مقصودي على الإطلاق، لكني أهدف إلى تسليط الضوء على فداحة الخسارات العظيمة التي يمكن أن يُمنى بها الإنسان نتيجة لتقصيره وعدم مطابقة أفعاله لأقواله، وهي تستوجب التوقف لمحاسبة النفس وإعادة النظر، ولنتذكر قول الحبيب صلى الله عليه وسلم : " إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم والصبر بالتصبر".